السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رمضان هوشهر المحبة والبذل والعطاء والقرب من الله عز وجل حيث قال:"يا
ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون". فمن خلال هذه الآية الكريمة
يظهر ان غاية الصيام هي تقوى الله عز وجل والتقوى تكون بطاعة الله في ما
امر والابتعاد عما نهى عنه في كل مجالات الحياة ومنها مجال الاسرة وبين
الزوجين خاصة وهذا ما جاء في الحديث الشريف :
(اذا كان صوم احدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل" فالصيام اذن هو دعوة
للتجمل بمكارم الأخلاق وخاصة بين الزوجين وداخل الاسرة والابتعاد عن
السباب والشتم والكذب والغيبة والنميمة وغيرها من الاخلاق الدنية، فالصائم
يمكن ان يجعل صيامه عبادة مقبولة عند الله عز وجل بحسن خلقه اثناء صيامه
ويمكنه ايضا ان يجعل صيامه فقط ظمأ وجوعا)
إذن فينبغي للزوجين خلال هذا الشهر المبارك أن يعملا معا على صيامه وقيامه
كما ينبغي اقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول :"خيركم
خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي".
بمعنى ان العلاقات داخل الاسرة ينبغي ان تعرف تغييرا ايجابيا خلال هذا
الشهر المبارك لأن كل العوامل الروحية والمادية والنفسية تساعد على ذلك
وديننا يدعو الى حسن معاملة الغير والى التأدب مع الغير ولهذا ما علينا
الا ان نلتزم بشرع الله عز وجل حتى يحقق الصيام اهدافه الروحية والمادية
والاسرية والاجتماعية.
ويمكن القول ان شهر رمضان هومدرسة تربوية رائعة لمراجعة السلوك ومحاسبة النفس.
وللصوم انعكاسات نفسية محمودة تتجلى في تهذيب الاخلاق وتعلم الصدق
والاخلاص والامانة وتجنب الكذب والكلمات الجارحة خاصة في حالات الغضب،
وان الالتزام بهاته القيم الاخلاقية العالية تؤدي الى التسامح والى صلة
الارحام والى التكافل الاجتماعي وكل هذا ينمي العلاقات الايجابية داخل
الاسرة وخارجها.
ولاشك ان الدافع الى ذلك كله هو طاعة الله عز وجل وعبادته على احسن وجه
بنية التقرب اليه وبنية التقوى، يقول صلى الله عليه وآله وسلم:"من صام
رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" فالايمان هو الذي
يد فع المسلم الى تحمل متاعب الصيام إرضاء لله عز وجل واحتسابا للأجر
العظيم عنده.
وقد خص الله تعالى هذا الشهر عن غيره من الشهور حيث تفتح فيه أبواب الجنة
وتغلق أبواب النار ويتقرب المؤمن من ربه، إلا أن البعض يفهم هذا الشهر
الفضيل بطريقة خاطئة ظنا منهم أنه شهر للراحة والكسل الليل نهاراً والنهار
ليلاً، فتراهم يجعلون النوم عن بعض الصلوات المكتوبة. إضافة إلى الإسراف
في المأكل والمشرب والعصبية الزائدة أثناء الحديث فنرى البعض سريعي الغضب
وكأن صيامهم ذريعة لهم ومبرر كافي لنفورهم فتراهم يقلبون مفهوم هذا الشهر
ودعوته إلى السكون.
افتراش الأرصفة ليلا واجتماع الشباب على معصية الله.
والاجتماع مع زملاء العمل وقت العمل وتجريح الصيام بالغيبة والنميمة.
انشغال المرآة غالب وقتها بالمطبخ، إضافة إلى حرص الأبناء على متابعة ما
تبثه القنوات التلفزيونية من المسلسلات والبرامج التي تتخم بها المشاهد
العربي مع الغياب الملحوظ للبرامج الدينية والإرشادية التي توضح الأثر
والقيمة الروحية لهذا الشهر في نفس المؤمن والحرص على استغلال كل لحظة منه
بالعبادة والأستغفار.
وما أكثر المفاهيم الخاطئة التي تسود في شهر رمضان، ونراها داخل الأسر وفي
الشوارع وخاصة ليالي رمضان حيث تنتشر الخيم الرمضانية التي تستقطب الشباب
والشابات وجلسات اللهو والمرح التي تبعدهم وتلهيهم عن أعظم أيام السنة
وأكثرها طاعة وبركة، كل هذا سببه الأمية الدينية المنتشرة في مجتمعاتنا
والجهل بتعاليم ديننا الحنيف؛ ولهذا يجب على الصائم أن
يسأل ويبحث عن معاني الصيام حتى لا يصبح صيامه تقليدا فقط للمجتمع، ويكرر
الممارسات الخاطئة التي تسود في بعض الأوساط البعيدة عن فهم المعاني
السامية للصيام.
وإذا كان لكل مجتمع عاداته في هذا الشهر المبارك فإن هناك عادات مشتركة قد
تكشف عن عمق تدين المجتمعات الإسلامية عامة، ولكن حينما نبالغ في هذه
التقاليد تصبح ممارسات خاطئة، كالإكثار من الأكل والشرب والسهر في الليل
ولعب الورق وارتياد المقاهي لقتل الوقت أو السمر أو التسكع في الشوارع،
والإستماع إلى شتى انواع الطرب والغناء إلى أن يحين وقت السحور ليبدءوا
نهارا جديدا من النوم والإستيقاظ لتناول الإفطار.
وكل هذه المظاهر يجب تغييرها وتبديلها بممارسات إيجابية يدعو إليها ديننا
الحنيف؛ لأن رمضان فرصة لا تعوض في مغفرة الذنوب والابتعاد عن المعاصي
والقرب من الله عزوجل، ومحروم من أتى عليه هذا الشهر وبلغه الله هذا الشهر
ولم يغفر له فيه.
فعلينا أن نتنافس فيه في تلاوة القرآن، وفي الدعاء، وفي إمساك الجوارح عن
الآثام والمعاصي الخفية والظاهرة، وفي إقامة الصلاة في أوقاتها، وفي
القيام بأعمالنا على أحسن وجه، والاجتهاد والبذل والتضحية والإخلاص في
العمل حتى يكون صيامنا مقبولا عند الله عز وجل.
وعلينا أن نكثر من الذكر والدعاء حتى نصل إلى ليلة القدر التي نسأل الله
تعالى ألا يحرمنا من أجرها وأن يجعلنا من عتقائها في هذا الشهر المبارك.
ففي هذا الشهر الكريم تزداد العبادات ويتقرب المسلم من ربه لكن الغالبية
تجعل مكانها الأسواق التجارية حيث تزداد نسبة الأستهلاك من الماكل والمشرب
فنجد الأهتمام المبالغ فيه بتحضير صنوف الأطعمة وما لذ وطاب منها
متجاهلا حاجة الكثير من الفقراء لشئ من هذا الطعام تسد به الرمق، فمثلا في
المغرب، وهو شأنه شأن عدد من الدول العربية والإسلامية؛ في رمضان يرتفع
حجم الاستهلاك إلى نحو30%، حيث قدر الإنفاق للعام 2003 بين 3.5 بلايين و4
بلايين دولار.
ورغم أن الحكومة تعول على تحريك الاقتصاد داخليا عبر زيادة الاستهلاك
العائلي لدفع النموإلى الارتفاع نحو6% والخروج من حالة ضعف الطلب عبر
زيادة مساهمة التجارة الداخلية في مجموع الاقتصاد الوطني.. فمن جهة أخرى
فإن انخفاض معدلات الإنتاج في شهر الصوم قد يفتح بابا آخر من المشاكل خاصة
في نقص المعروض من السلع، فالمغرب يستورد نحو12 بليون دولار من السلع
الاستهلاكية سنويا، وذروة هذا الإنتاج تنفق في رمضان ومن هنا نقول أنه لا
يجب فقط الاهتمام بهذا الشهر من ناحية المأكل والمشرب، وإنما الاهتمام
بالجانب الأخلاقي والتربوي ومعرفة حقيقة والقيمة الدينية لهذا الشهر
الفضيل. وما أحوج مجتمعاتنا إلى الرفع من مستوى أخلاق أبنائه وبناته
وتبصيرهم بالقضايا الهامة لأمتهم؛ فأمتهم محتاجة إليهم.
ولا بد من التذكير بمنكرات يجب اجتنابها خلال هذا الشهر:
إياك وسماع الغناء، فإنه يفسد القلب، وينبت فيه الرعونة وقلة الغيرة.
اجعل من شهر رمضان فرصة للتخلص من أسرِ مشاهدة المسلسلات والأفلام
والمسابقات والبرامج التافهة وغيره من الأمور التي تلهيك عن ذكر الله.
لا تصاحب الأشرار الفارغين، فإنك إن صاحبتهم كنت مثلهم.
شرُّ بقاع الأرض الأسواق، فإياك والتواجد فيها لغير حاجة.
إياك ومنكرات اللسان، فإنها تُضعف ثواب الصيام جداً
فإذا قضيت نهار رمضان في النوم، وليله في السهر واللعب، حُرمت أجر الصيام
والقيام، وخرجت من الشهر صفر اليدين، فهي - والله - أيام معدودة، وليال
مشهودة، ما تهل علينا إلا وقد آذنت بانصرام